"اللا إنجابية".. مؤشر على تراجع الخصوبة أم معوق أمام النمو الاقتصادي؟

"اللا إنجابية".. مؤشر على تراجع الخصوبة أم معوق أمام النمو الاقتصادي؟

بتحذيرات دولية من تداعيات انخفاض معدل الخصوبة عالميا، تحبس دول العالم أنفاسها خوفا من انقلاب الهرم السكاني ليكون كبار السن هم الفئة الأكثر مقابل تقلص نسبة الشباب.

ومؤخرا حذرت مجلة "الإيكونوميست" الإنجليزية من أن الانخفاض في الخصوبة أصبح أزمة تهدد دول العالم كافة بعدما بدأت في الدول الغنية.

ووفق تقرير المجلة "تشهد الاقتصادات الـ15 الأكبر في العالم أقل مستوى في الخصوبة، إذ سجلت 98 دولة حول العالم في 2010 انخفاضا ملحوظا في نسبة الخصوبة وصل إلى طفلين تقريبا لكل امرأة".

وفي عام 2021، سجلت 124 دولة انخفاضا كبيرا في معدلات الخصوبة بلغ أقل من طفلين لكل امرأة، فيما لحقت الدول متوسطة الدخل بالدول الغنية في ما يتعلق بانخفاض مستوى الخصوبة.

ومن المرجح أن يستمر معدل الخصوبة في الانخفاض، ويتوقع مراقبون أن تزداد نسبة كبار السن في قمة الهرم السكاني، مقابل انخفاض نسبة الشباب لتستقر في قعر الهرم السكاني.

ويعني تراجع معدل الخصوبة أن كل دولة تقريبا ستسجل تقلصا في عدد سكانها بحلول نهاية القرن، إذ يتوقع أن تشهد 23 دولة، بينها إسبانيا واليابان، تناقص عدد سكانها إلى النصف بحلول عام 2100.

وتؤدي الظاهرة أيضا إلى تزايد معدل الشيخوخة، إذ يتوقع أن يتساوى عدد البالغين من العمر 80 عاما مع عدد المواليد الجدد، ما يعطل خطط التنمية داخل الدول.

ووفق المتخصصين فإن مسألة اللا إنجابية لم تعد تتعلق بارتفاع المستوى التعليمي كما في السابق، بل باتت ترتبط بميل المزيد من النساء إلى الحصول على التعليم والعمل، إضافة إلى توفير موانع الحمل الآمنة بشكل واسع.

ومن ثم يصبح السبب الجذري لانخفاض عدد السكان ليس ارتفاع عدد الوفيات، بل يعود إلى انخفاض عدد المواليد، حيث ينهار معدل الخصوبة في كثير من أنحاء العالم.

وتقول الدراسات الأممية إن مستوى الخصوبة المطلوب لضمان استبدال الأجيال وتجنب انخفاض عدد السكان على المدى الطويل في غياب الهجرة، ينبغي أن يبلغ 2.1 مولود لكل امرأة على الأقل.

بدوره، قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، ليو تشن مين، إن العديد من "مجموعات السكان الأسرع نموا تتركز في البلدان الأشد فقرا" حيث يجلب النمو السكاني فيها تحديات إضافية للجهود المبذولة للقضاء على الفقر وتحقيق المساواة ومكافحة الجوع وسوء التغذية وتعزيز تغطية ونوعية النظم الصحية والتعليمية.

سلاح ذو حدين

وعن المشكلات المتوقعة لتقلص عدد السكان، فإن انخفاض عدد المواليد يزيد من عدد كبار السن في العالم، إذ عادة ما يعتمد المتقاعدون على عمل من هم في سن الشباب، إما على صعيد الدولة فإنها تفرض الضرائب على من هم في سن العمل لدفع معاشات التقاعد، وبالتالي فإن ذلك سيؤثر على الموارد المالية.

وبانخفاض عدد الشباب، سيفقد العالم قدرا مما يسميه علماء النفس بـ"الذكاء السائل"، أي القدرة على التفكير الذي يتسم بالإبداع والمرونة لحل المشكلات بطرق جديدة ومبتكرة.

ويقول الخبراء إن ثمة علاقة عكسية بين النمو الاقتصادي ومعدل الخصوبة؛ فكلما أصبح الناس أكثر ثراء أصبحوا أقل ميلا للإنجاب؛ وبالتالي فإنه سيتعين على العالم التعايش مع عدد أقل من الشباب، وربما يتقلص عدد السكان بشكل عام.

وتأتي تلك المتغيرات بالتوازي مع المخاوف العالمية من التطورات الأخيرة في الذكاء الاصطناعي، والتي قد تجعل الاقتصاد الدولي متشبعًا بالذكاء الاصطناعي الإنتاجي في العالم.

وقد يكون الذكاء الاصطناعي قادرا على توليد الأفكار من تلقاء نفسه، ما يقلل الحاجة إلى الذكاء البشري وإسهاماته في العمل، ويزيد من احتمالات رعاية كبار السن بدون عناء.

ورغم وجود مشكلات واضحة مع عدد سكان العالم، فقد تظهر مجموعة مختلفة من القضايا عندما تنخفض معدلات الخصوبة إلى ما دون مستويات الإحلال.

ويمكن أن يؤدي انخفاض معدلات الخصوبة إلى تقلص عدد السكان وارتفاع نسبة كبار السن إلى البالغين العاملين، ما سيكون له عواقب اقتصادية غير مرغوب فيها مثل زيادة تكاليف الرعاية الصحية وانخفاض القاعدة الضريبية.

ووفق تقديرات أممية فإن ثمة ارتباطاً بين الخصوبة والصحة الإنجابية والتنمية المستدامة، لا سيما أن تنظيم الأسرة كجزء من الخدمات الصحية الشاملة ينقذ الأرواح، ويبطئ النمو السكاني، ويعطي للمرأة خيارات الحياة ويحد من الفقر.

تراجع النمو الاقتصادي

بدوره، قال أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية في القاهرة سعيد صادق، إن النمو السكاني في جميع أنحاء العالم يمر بثلاث مراحل، بحيث تتميز المرحلة الأولى بالتعادل بين المواليد والوفيات، فيما تتسم المرحلة الثانية بارتفاع عدد المواليد وارتفاع عدد الوفيات، أما المرحلة الثالثة فإنها تتسم بانخفاض معدل المواليد وانخفاض معدل الوفيات.

وأوضح صادق في تصريح لـ"جسور بوست" أن معظم الدول العربية يتسم النمو السكاني بها بكونه في المرحلتين الثانية والثالثة، إذ عادة ما يرتفع معدل المواليد والوفيات في دول الصراعات والحروب وانتشار الأمية مثل فلسطين والسودان والصومال واليمن.

وأضاف: "شيوع ظاهرة اللا إنجابية وانخفاض معدل الخصوبة قد يكون مفيدا في بعض المجتمعات النامية، لكنه بالمقابل قد يكون نقمة على مجتمعات أخرى كاليابان وألمانيا على سبيل المثال، وخاصة أنه معوق أمام النمو الاقتصادي جراء ندرة الأيدي العاملة".

وأكد أن تلك الدول لجأت مؤخرا إلى تخفيف قيود الهجرة إليها لاستقطاب الشباب، نظرا لانخفاض عدد المواليد مقابل عدد كبار السن.

وتحيي الأمم المتحدة في الـ15 من مايو "اليوم العالمي للأسر"، بالتركيز على التوجه الكبير للتغيير الديموغرافي وتأثيره على الأسر، وذلك بعد أن وصل عدد سكان العالم إلى أكثر من 8 مليارات نسمة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية